{قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)}.التفسير:وتقع كلمات هرون موقعها من نفس موسى، فيرقّ له، ويأسف لما أخذه به، فيدعو اللّه له ولأخيه بالمغفرة: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} ولم يدخل أحدا من بنى إسرائيل معهما في هذا الخير الذي طلبه من ربّه، لأنهم على حال ليسوا هم فيها أهلا لرحمة أو مغفرة، لهذا الإثم العظيم الذي أغرقوا أنفسهم فيه، والذي استحقوا به أن يتوعدهم اللّه تعالى بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}.فهكذا يجزى البغاة الظالمون، الذين يتخذون العجل إلها معبودا.. وهكذا يقع هؤلاء الذين عبدوا العجل تحت غضب اللّه، ولعنته، فتضرب عليهم الذلّة والمسكنة في هذه الدنيا، فهذا حكم واقع عليهم لا يرفع عنهم أبدا بتوبة أو استغفار، وقد كان من غضب اللّه عليهم أن أمرهم بأن يقتل بعضهم بعضا، كما قال تعالى: {وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ، فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ} [54: البقرة] فليس غير القتل سبيلا إلى إصلاح ما أفسدوا.. إنهم بهذا الإثم الذي تلبسوا به قد أصبحوا كيانا فاسدا، لا يصلح للحياة، ومن الخير للإنسانية القضاء على هذا الداء الخبيث الذي نجم فيها؟أما في الآخرة فأمرهم إلى اللّه، فإن تابوا ورجعوا إلى اللّه- وليست توبتهم إلا بأن يقتلوا أنفسهم- كانوا في معرض رحمته ومغفرته، وإن ظلوا على ما هم عليه من ضلال وكفر، فإن اللّه أعدّ للكافرين عذابا مهينا.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}.والضمير في {مِنْ بَعْدِها} يعود إلى السيئات، أي تابوا وآمنوا من بعد فعل هذه السيئات، وقد جعل اللّه توبتهم بأن يقتلوا أنفسهم، بعد أن يؤمنوا باللّه، ويبرءوا من عبادة العجل الذي عبدوه!